30 - 12 - 2025

مؤشرات | المواطن بين سعادة الحكومة وصندوق النقد

مؤشرات | المواطن بين سعادة الحكومة وصندوق النقد

من يقرأ الجانب الأكبر من بيان صندوق النقد الدولي عن نتائج المراجعة الخامسة والسادسة حول مسار برنامج الإصلاح الاقتصادي، يعتقد أن مشاكل مصر في جوانبها الاقتصادية قد أصبحت في خبر كان، وأن الناس بدأت أو ستبدأ في غضون شهور وربما أسابيع في حالة حياة مليئة بالنعم، والرفاهية، وأنها تودع الزمن والأوضاع الصعبة التي عاشها المصريون منذ بداية البرنامج في نوفمبر 2016، مع تطبيق أكثر من تخفيض في أسعار الصرف للجنيه.

صحيح أن الصندوق أعلن عن بعض القضايا العالقة، خاصة ما يتعلق بقضية انسحاب الدولة من الشركات والبنوك التي تمتلكها الدولة المصرية، وتوسيع المجال بشكل أكبر في القطاع الاقتصادي، دون الحديث عن أهمية وجود في بعض القطاعات والخدمية منها بصفة خاصة، خشية من أي تأثيرات احتكارية لقطاعات تمس حياة الناس.

قد يكون هناك جانب إيجابي يخص الفئات الأكثر تأثرا من تداعيات الإصلاح الاقتصادي، ومنهم المدرجين تحت مظلة "تكافل وكرامة"، وغيرهم، بمطالبة الصندوق بزيادة حجم الميزانية المخصصة لهذا البرنامج والمعروف بالتحويلات النقدية المشروطة، وما يتعلق بتنمية ودعم رأس المال البشري، وتدابير وبرامج الحماية الاجتماعية المستهدفة، ولكن ليس هم فقط من تأثروا ويتأثرون باتفاق الإصلاح الاقتصادي بين الحكومة والصندوق، فالتأثير طال فئات أوسع من المجتمع.

هذا التأثير ليس سراً، بل هو ظاهر للعنان، والحكومة تعرفه من خلال الضغوط التي يعيشها أفراد المجتمع بل أن رئيس الجمهورية سبق أن تحدث عنه مراراً في مؤتمرات ولقاءات عامة، وناقشه مع مسؤولين حكوميين، وهنا نتذكر ما قاله الرئيس قبل أكثر من عام قليلاً وأمام المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية "يجب مراجعة الموقف من اتفاق صندوق النقد الدولي إذا كان الوضع الراهن سيسبب ضغطاً على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس"، وما يعكس وجود قلق من تأثيرات صندوق النقد، فليس الحل دائماً في الاتفاقيات مع المؤسسات المالية الدولية.

وبقي عام تقريباً من نهاية الاتفاق مع صندوق النقد، وهذا سر التفاؤل الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، مؤخراً عن بدء حصاد نتائج الإصلاح الاقتصادي من عام 2026، إلا أن ما قاله رئيس الوزراء "من أن موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعتين الخامسة والسادسة الخاصة ببرنامج مصر الاقتصادي، لا تعني اتخاذ إجراءات جديدة تمس المواطن المصري"، عليه جدل شديد في الشارع المصري، وبين العديد من الخبراء.

ففي التفاصيل قال رئيس الوزراء "بكل وضوح، المستهدفات التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق حتى نهاية البرنامج لا تتعلق بأي إجراءات من شأنها التأثير على المواطن، وإنما تقتصر على إصلاحات هيكلية تخص أداء وزارة المالية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتحقيق مستهدفات اقتصادية خاصة بالدولة، بعيدًا تمامًا عن تحميل المواطنين أي أعباء جديدة".

والجدل الذي لا ينتهي إلا بما سيتم على الأرض، وتأثير أي قرارات على المواطنين عامة، فمن بين نقاط الخلاف ما يتعلق بطبيعة تقليص دور الدولة في الإنتاج والخدمات، وانسحاب الدولة من الشركات المملوكة لها، وما يمكن أن يحدث من تأثيرات على المواطن في الشارع، خاصة ما يتعلق بتكاليف إنتاج السلع التي تنتجها شركات عامة، أو خدمات، حال سيطرة القطاع الخاص، والمستثمرين من الداخل والخارج على مفاصل واسعة من هيكل الاقتصاد الإنتاجي، وهذا في حد ذاته يثير قلقاً عاما، والتجارب السابقة اثارت تساؤلات بحاجة إلى إجابات.

ومن القضايا المثيرة أيضا، التساؤلات الكثيرة وراء ما قيل أيضاً من أن مجلس الوزراء سيوافق على حزمة من الإصلاحات الضريبية الداعمة للنمو في يناير 2026 لزيادة تحصيل الضرائب بنحو واحد في المائة من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية المقبلة، وماذا يعني ذلك من سيتحمل الفاتورة المرتقبة من تحصيل أية حصيلة الضرائب.

مؤكد أن ما يسعد الحكومة هو ما تضمنه تقرير صندوق النقد، من أن الحكومة نجحت في تحقيق الاستقرار يمثل مكاسب مهمة مع ظهور علامات نمو قوي، وارتفاع النشاط الاقتصادي إلى 4.4% في السنة المالي المنتهي في يونيو الماضي، مقابل 2.4% في العام الأسبق، وتحسن ميزان المدفوعات، وزيادة تحويلات المغتربين وعائدات السياحة، مع ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج، مع زيادة احتياطيات العملات الأجنبية إلى 56.9 مليار دولار، وزيادة الحصيلة من الضرائب حتى نوفمبر الماضي.

وما أسعد الحكومة على لسان رئيس الوزراء أن الصندوق شهد بتحقيق نمو بحجم الصادرات غير البترولية، وتحقيق فائض أولي 3.5% من الناتج المحلي بالعام المالي الماضي، نجاح البنك المركزي في اتباع سياسة نقدية مناسبة لدعم مسار خفض التضخم.

وهذه التطورات الاقتصادية مهمة، كما هي مهمة من وجهة نظر الحكومة وصندوق النقد الدولي، مهمة على المستوى الاقتصادي العام إلا أن المواطن سيظل يبحث لنفسه عن موقع ومكان من هذه السعادة، عبر ما ينعكس عليه في الحياة اليومية، والتخفيف من أعباء يعرفها القاصي والداني، والانتظار سيد الموقف أمام قطار الأسعار والأعباء السريع، كسرعة القطار الكهربائي المنتظر.
----------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | المواطن بين سعادة الحكومة وصندوق النقد